على مدار عقود، كانت دراسة التوحد مقيدة بفكرة أن هذا الاضطراب يقتصر على الذكور. لكن مع مرور الوقت، كشفت الأبحاث الحديثة عن جانب مظلم من هذا الإهمال. وفقًا للأرقام الصادرة في عام 2024، لم يتم إدراج النساء بشكل كافٍ في التجارب البحثية المتعلقة بالدماغ والتوحد، مما أدى إلى نقص في البيانات التي تعكس تأثير هذا الاضطراب على النساء.
تشير جينا ريبون، خبيرة تصوير الدماغ وأستاذة فخرية في جامعة آستون، إلى أن حوالي 70% من الدراسات التي أجريت حول الدماغ والتوحد ركزت فقط على الرجال. هذه النسبة المقلقة تعكس مدى تجاهل المجتمع العلمي للنساء، مما أثر سلبًا على فهم طبيعة التوحد عند الإناث.
مع غياب أدلة بيولوجية واضحة مثل الاختبارات الشعاعية أو الفيزيائية، يعتمد تشخيص التوحد على مجموعة واسعة من السلوكيات التي غالبًا ما تكون متأثرة بالنماذج الذكرية التقليدية. هذا الأمر يجعل من الصعب على المتخصصين تحديد التوحد لدى الفتيات، حيث يتم تصنيفهن غالبًا على أنهن يعانين من اضطرابات نفسية أخرى مثل القلق الاجتماعي أو اضطراب الشخصية الحدودية.
تشير الدراسات إلى أن الفتيات يميلن إلى إخفاء أعراضهن بشكل أكبر مقارنة بالأولاد، مما يجعل التشخيص أكثر تعقيدًا. في سن مبكرة، قد تبدأ الفتاة بتقليد سلوك الآخرين لتجنب التنمر أو الشعور بالغربة، وهو ما يُعرف باسم "تمويه الأعراض". هذه الاستراتيجية تجعل من الصعب على الأطباء تحديد ما إذا كانت الفتاة تعاني من التوحد أم لا.
الحصول على تشخيص دقيق يمكن أن يكون نقطة تحول في حياة النساء والفتيات المصابات بالتوحد. العديد من النساء اللواتي تم تشخيصهن في وقت متأخر يصفن هذه اللحظة بأنها شعور بالراحة والفهم، حيث يصبح من الواضح لماذا تعرضن لصعوبات معينة طوال حياتهن. ومع ذلك، يأتي هذا الفهم غالباً مع شعور بالندم على الفرص الضائعة بسبب التشخيص المتأخر.
بالرغم من الصورة النمطية التي تربط التوحد بعدم الرغبة في التواصل الاجتماعي، إلا أن النساء والفتيات المصابات بهن يرغبن بشدة في الاندماج مع الآخرين. المشكلة تكمن في قلة المهارات الاجتماعية التي تمكنهن من تحقيق ذلك. لذلك، فإن تقديم الدعم المناسب لهن يمكن أن يساعدهن على تجاوز هذه العقبات.
من أجل معالجة هذه الفجوة، يجب على الباحثين والمتخصصين توسيع نطاق دراساتهم ليشمل النساء والفتيات بشكل أكبر. إحدى الصفات التي بدأت تظهر مؤخرًا كسمة تشخيصية هي فرط الحساسية للمحفزات الحسية مثل الملابس الخشنة والأضواء الساطعة. هذه الصفات تظهر بشكل أكثر وضوحًا لدى الفتيات مقارنة بالأولاد، مما يجعلها مؤشرًا مهمًا يجب أخذه في الاعتبار أثناء التشخيص.
بالإضافة إلى ذلك، يجب تعليم الأطفال والمعلمين كيفية التعامل مع الأطفال الذين يعانون من التوحد بطريقة تعزز من شعورهم بالانتماء وتقلل من التنمر. كما أن توفير تسهيلات خاصة مثل إجراء الاختبارات في غرف منفصلة أو استخدام سماعات الرأس يمكن أن يساهم بشكل كبير في تحسين أدائهم الأكاديمي والنفسي.