صحي
اكتشافات جديدة حول مومياء قسيس النمسا: تقنيات تحنيط غامضة وتفاصيل عن حياة أرستقراطي القرن الثامن عشر
2025-05-03

في قرية نائية شمال نهر الدانوب بالنمسا، تكشف دراسة علمية حديثة عن أسرار مومياء رجل دين يُعتقد أنه عاش في القرن الثامن عشر. هذه المومياء، المعروفة باسم "القسيس المجفف بالهواء"، كانت محط اهتمام السكان المحليين لقرون بسبب الحالة المثالية التي تم بها الحفاظ على جلده وأنسجته. بعد تسرب المياه إلى القبو الذي تحتفظ به الكنيسة، أصبحت الفرصة متاحة أمام العلماء للقيام بتحليل شامل باستخدام تقنيات متطورة مثل التصوير المقطعي والتأريخ بالكربون المشع. وقد كشفت هذه الدراسات عن طرق غير معروفة سابقاً لحفظ الجثث، فضلاً عن تقديم صورة واضحة عن حياة وأسلوب معيشة هذا الرجل.

وفقًا لأبحاث أجراها فريق من جامعة لودفيغ ماكسيميليانز في ميونيخ، برئاسة البروفيسور أندرياس نيرليش، فإن التحليل المفصل للمومياء كشف عن وجود مواد داخل تجويف البطن والحوض مثل رقائق الخشب والكتان والأقمشة المطرزة بدقة. كما تم العثور على آثار للكبريت وكلوريد الزنك، مما يشير إلى استخدام تقنية تحنيط فريدة لم يتم ذكرها في الأدبيات التاريخية. يعتقد الفريق أن المواد قد أدخلت عبر المستقيم، حيث ساعدت على امتصاص الرطوبة وتقليل تكاثر البكتيريا.

تشير النتائج إلى أن هذه الطريقة ربما كانت شائعة في القرن الثامن عشر لنقل أو عرض الجثث. وفقًا لنيرليش، فإن هذه التقنية تختلف عن الأساليب المصرية التقليدية التي تتطلب فتح الجسم، مما يجعلها أكثر حداثة واستدامة في بعض الحالات.

بالإضافة إلى ذلك، استخدم الباحثون التأريخ بالكربون المشع لتحديد هوية المومياء، حيث خلصوا إلى أنها تعود لفرانز زافير سيدلر فون روزنيغ، وهو راهب ثم أصبح قسيساً في أبرشية سانت توماس أم بلازينشتاين. توفي في عام 1746 عن عمر يناهز 37 عاماً. وتشير الدراسات إلى أن نظامه الغذائي كان غنياً بالحبوب واللحوم، مما يعكس وضعه الاجتماعي المرتفع كقس أرستقراطي. ومع ذلك، يعتقد الباحثون أن أواخر حياته شهدت نقصاً في الغذاء نتيجة الحرب النمساوية.

من جهة أخرى، يرى عالم الآثار جينو كاسباري أن دراسة المومياوات تعطي نظرة أعمق عن الماضي مقارنة بالهيكل العظمي فقط، حيث يمكنها تقديم أدلة حول الأمراض، العلاجات، وحتى الثقافة الاجتماعية المتعلقة بالموت والجسد.

مع تقدم البحث، لا تزال هناك أسئلة تحتاج إلى إجابات، مثل دور كلوريد الزنك في عملية الحفظ، حيث يشير بعض الباحثين مثل ماركو ساماديلي إلى وجود آثار للزرنيخ أيضاً. ومع ذلك، تبقى هذه الاكتشافات خطوة مهمة نحو فهم أفضل للتقاليد الجنائزية في تلك الفترة.

هذه الدراسة ليست مجرد كشف عن تقنيات تحنيط غريبة، بل هي نافذة على حياة شخصية من القرن الثامن عشر، وكيف كانت تؤثر الحروب والظروف الاقتصادية على المجتمعات المحلية. كما تسلط الضوء على أهمية الحفاظ على مثل هذه البقايا التاريخية لتوفير رؤى ثمينة عن الماضي الإنساني.

More Stories
see more