كشف علماء من الولايات المتحدة عن أن الرسومات الفنية للأشجار، بغض النظر عن الأساليب أو الثقافات المختلفة التي تنتمي إليها، تتبع قوانين رياضية مشابهة لتلك الموجودة في الأشجار الحقيقية. باستخدام نماذج الكسيريات، درس العلماء مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية عبر العصور، بما في ذلك المنحوتات الهندية، واللوحات اليابانية، والأعمال التجريدية لأسماء كبيرة مثل موندريان وكليمت. أظهر البحث أن هذه الأعمال تتوافق غالبًا مع الأنماط الطبيعية للأغصان، حتى عندما تكون الأشجار مرسومة بشكل تجريدي.
في رحلة استكشافية إلى عالم الرياضيات والإبداع الفني، أجرى فريق بحثي بقيادة ميتشل نيوبيري، عالم الأحياء الرياضية، وزميلته جينغي غاو، دراسة شاملة على مجموعة من الأعمال الفنية التي تُصوّر أشجارًا. شملت الدراسة أعمالًا تاريخية من مختلف الثقافات، بدءًا من النقوش الحجرية الهندية القديمة في القرن السادس عشر، مرورًا باللوحات اليابانية التقليدية مثل "أزهار الكرز" للفنان ماتسومورا غوشون، وصولًا إلى التجريدات الحديثة لبيت موندريان وغوستاف كليمت.
خلال هذه الدراسة، لاحظ الباحثون أن التفرعات في الأشجار المرسومة تتبع نفس الأنماط الكسيرية التي نراها في الطبيعة. على سبيل المثال، في أحد النوافذ المنحوتة داخل مسجد سيدي سيد في أحمد آباد بالهند، تم تصوير الشجرة بطريقة تعكس التعقيد الرياضي الموجود في العالم الطبيعي. بينما لوحة "أزهار الكرز"، رغم غناها بالتفاصيل، لم تحقق نفس المستوى من الواقعية الكسيرية.
اعتمدت الدراسة على تقنيات حديثة لتقييم مقاييس التفرع في الأشجار الفنية، مما أتاح للعلماء حساب ما يُعرف باسم "مقياس قطر الغصن". أظهرت النتائج أن معظم الأعمال الفنية كانت ضمن نطاق 1.5 إلى 3، وهو نفس النطاق الذي تقع فيه الأشجار الطبيعية. ومع ذلك، كانت هناك استثناءات، مثل اللوحات الأكثر تجريدًا لبيت موندريان، حيث فقدت بعضها خصائص الشجرة التقليدية تمامًا.
من بين الأمثلة المثيرة، لوحة "De Grijze Boom" (الشجرة الرمادية) لموندريان، التي تُعتبر تحفة فنية تجريدية لكنها لا تزال تحتفظ بمظهر الشجرة بسبب التمسك بنسب الكسيريات الطبيعية. في المقابل، عمله الآخر "شجرة التفاح المزهرة" أصبح أكثر بعدًا عن الواقع الطبيعي.
أشار الباحثون إلى أن هذا الاكتشاف قد يعكس فهمًا فطريًا لدى الفنانين للقوانين الطبيعية التي تحكم شكل الأشجار، حتى لو لم يكونوا على دراية بالرياضيات الكامنة وراءها.
من منظور صحفي، يمكن لهذه الدراسة أن تفتح أبوابًا جديدة أمام فهم العلاقة بين الفن والطبيعة. يبدو أن البشر، سواء كانوا فنانين أو علماء، لديهم شغف دفين بتقليد الأنماط الطبيعية وإعادة إنتاجها في أعمالهم. هذا البحث يعزز فكرة أن الجمال ليس مجرد مسألة ذوق شخصي، بل هو انعكاس لقوانين رياضية عالمية.
بالنظر إلى الأعمال الفنية التي تجمع بين الجمالية الطبيعة والرياضيات، يمكننا أن نستنتج أن الإبداع البشري ليس بعيدًا عن القوانين الطبيعية، بل يعتمد عليها بشكل كبير. هذه النتيجة تشجعنا على إعادة التفكير في كيفية تفاعلنا مع الفن والطبيعة، وتدعو إلى المزيد من التعاون بين الحقول العلمية والإنسانية لفهم العالم من حولنا بشكل أفضل.